فصل: باب من يجوز دفع الصدقات إليه ومن لا يجوز

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية لأحاديث الهداية **


 باب من يجوز دفع الصدقات إليه ومن لا يجوز

- قوله‏:‏ وعلى ذلك انعقد الإِجماع - يعني على سقوط المؤلفة قلوبهم من الأصناف الثمانية المذكورين في القرآن - ، قلت‏:‏ روى ابن أبي شيبة في ‏"‏مصنفه‏"‏ ‏[‏ابن أبي شيبة‏:‏ ص 66 - ج 3، قلت‏:‏ جابر هذا هو الجعفي ضعيف‏]‏ حدثنا وكيع عن إسرائيل عن جابر عن عامر الشعبي، قال‏:‏ إنما كانت المؤلفة على عهد رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فلما ولى أبو بكر رضي اللّه عنه انقطعت، انتهى‏.‏ وروى الطبري في ‏"‏تفسيره‏"‏ ‏[‏ص 112 - ج 10‏.‏‏]‏ في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنما الصدقات للفقراء والمساكين‏}‏ الآية، حدثنا محمد بن عبد الأعلى ‏[‏كان في ‏"‏الطبري‏"‏ عبد الأعلى عن محمد بن ثور عن معمر، لكن رأينا ابن جرير أكثر من هذا الاسناد، وفيه محمد بن عبد الأعلى، أو ابن عبد الأعلى سوى هذا الموضع، فعرفنا أن في ‏"‏نسخة التفسير‏"‏ غلط، واللّه أعلم‏]‏ حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن يحيى ابن أبي كثير، قال‏:‏ المؤلفة قلوبهم من بني أمية‏:‏ أبو سفيان بن حرب، ومن بني مخزوم‏:‏ الحارث ابن هشام، وعبد الرحمن بن يربوع، ومن بني جمح‏:‏ صفوان بن أمية، ومن بني عامر بن لؤي‏:‏ سهيل ابن عمرو، وحويطب بن عبد العزى، ومن بني أسد بن عبد العزى‏:‏ حكيم بن حزام، ومن بني هاشم‏:‏ أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، ومن بني فزارة‏:‏ عيينة بن حصين بن بدر، ومن بني تميم‏:‏ الأقرع بن حابس، ومن بني نصر‏:‏ مالك بن عوف، ومن بني سليم‏:‏ العباس بن مرداس، ومن ثقيف‏:‏ العلاء بن حارثة، أعطى النبي عليه السلام كل رجل منهم مائة ناقة، إلا عبد الرحمن بن يربوع، وحويطب بن عبد العزى، فإنه أعطى كل رجل منهم خمسين، انتهى‏.‏ وروى أيضًا‏:‏ حدثنا القاسم حدثنا الحسين حدثنا هشام‏:‏ حدثنا عبد الرحمن بن يحيى عن حبان بن أبي جبلة، قال‏:‏ قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، وقد أتاه عيينة بن حصين‏:‏ الحق من ربكم، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر - يعني ليس اليوم مؤلفة - ، انتهى‏.‏ وأخرج عن الشعبي، قال‏:‏ لم يبق في الناس اليوم من المؤلفة قلوبهم أحد، إنما كانوا على عهد رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، انتهى‏.‏ وأخرج نحوه عن الحسن البصري رضي اللّه عنه، واستدل ابن الجوزي في ‏"‏التحقيق‏"‏ لمذهبنا على سقوط المؤلفة بحديث معاذ‏:‏ صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، قال‏:‏ وهذا محمول على أنه قاله في وقت غير محتاج إلى التأليف‏.‏

قوله‏:‏ وفي الرقاب أن يعان المكاتبون منها في فك رقابهم، قلت‏:‏ روى الطبري في ‏"‏تفسيره‏"‏ ‏[‏ص 113 - ج 10‏.‏‏]‏ من طريق محمد بن إسحاق عن الحسن بن دينار عن الحسن البصري، أن مكاتبًا قام إلى أبي موسى الأشعري، وهو يخطب الناس يوم الجمعة، فقال له‏:‏ أيها الأمير حث الناس عليّ، فحث عليه أبو موسى، فألقى الناس عليه‏:‏ هذا يلقي عمامة، وهذا يلقي ملاءة، وهذا يلقي خاتمًا، ختى ألقى الناس عليه سوادًا كثيرًا، فلما رأى أبو موسى ما ألقي عليه، قال‏:‏ اجمعوه، ثم أمر به فبيع، فأعطى المكاتب مكاتبته، ثم أعطى الفضل في الرقاب نحو ذلك، ولم يرده على الناس، وقال‏:‏ إن هذا الذي قد أعطوه في الرقاب، انتهى‏.‏ وأخرج عن الحسن البصري رضي اللّه عنه، والزهري، وعبد الرحمن بن زيد ابن أسلم، قالوا‏:‏ ‏{‏وفي الرقاب‏}‏ هم المكاتبون، انتهى‏.‏ واستشهد شيخنا علاء الدين بحديث أخرجه ابن حبان ‏[‏وأحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ص 299 - ج 4‏.‏‏]‏، والحاكم عن البراء بن عازب، قال‏:‏ جاء رجل إلى النبي عليه السلام، فقال‏:‏ دلني على عمل يقربني من الجنة، ويباعدني عن النار، قال‏:‏ أعتق النسمة، وفك الرقبة، قال‏:‏ أو ليسا واحدًا‏؟‏ قال‏:‏ لا، عتق النسمة أن تفرد بعتقها، وفك الرقبة، أن تعين في ثمنها، انتهى‏.‏ وهذا ليس في المقصود، فإن مراد المصنف تفسير الآية لا تفسير الفك، نعم، الحديث مفيد في معرفة الفرق بين العتق والفك، واللّه أعلم‏.‏

- الحديث الرابع والثلاثون‏:‏ قال المصنف‏:‏

- ‏{‏وفي سبيل اللّه‏}‏ منقطع الغزاة، وعند محمد‏:‏ منقطع الحاج، لما روى أنه عليه السلام أمر رجلًا جعل بعيرًا له في سبيل اللّه أن يحمل عليه الحاج، قلت‏:‏ استشهد له شيخنا علاء الدين بحديث أخرجه أبو داود عن أم معقل، قالت‏:‏ كان لنا جمل، فجعله أبو معقل في سبيل اللّه، إلى أن قال‏:‏ فهل أخرجت عليه، فإن الحج في سبيل اللّه، مختصر، وهذا لا يغني، لأن المقصود تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وفي سبيل اللّه‏}‏، وأيضًا فلفظ الحديث لا يمنع دخول الغزاة في الحاج، ولا يتم الاستدلال إلا على تقدير الحصر، وأيضًا فليس فيه أمر، فلا يكفي في المقصود، والحديث أخرجه أبو داود ‏[‏والحديث أخرجه أبو داود‏]‏ في ‏"‏كتاب الحج - في باب العمرة‏"‏ عن إبراهيم بن مهاجر عن أبي بكر بن عبد الرحمن، قال‏:‏ أخبرني رسول مروان الذي أرسل إلى أم معقل، قالت‏:‏ كان أبو معقل حاجًا مع رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فلما قدم قالت أم معقل‏:‏ قد علمت أن عليَّ حجة، فانطلقا يمشيان حتى دخلا عليه، قال‏:‏ فقالت‏:‏ يا رسول اللّه إن عليَّ حجة، وإن لأبي معقل بكرًا، قال أبو معقل‏:‏ جعلته في سبيل اللّه، فقال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ‏:‏ اعطها فلتحج عليه، فإنه في سبيل اللّه، فأعطاها البكر، ورواه أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ‏[‏أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ص 405 - ج 6، والحاكم في ‏"‏المستدرك‏"‏ ص 482 - ج 1 من طريقه‏]‏، ومن طريقه الحاكم في ‏"‏المستدرك‏"‏، وقال‏:‏ صحيح على شرط مسلم، وفيه نظر، فإن فيه رجلًا مجهولًا، وإبراهيم بن مهاجر متكلم فيه، ولفظ الحاكم عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، قال‏:‏ أرسل مروان إلى أم معقل يسألها عن هذا الحديث، فحدثت أن زوجها جعل بكرًا في سبيل اللّه، وأنها أرادت العمرة، فسألت زوجها البكر، فأبى عليها، فذكرت ذلك لرسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فأمره أن يعطيها، وقال‏:‏ إن الحج والعمرة لمن سبيل اللّه، انتهى‏.‏ ورواه النسائي من حديث الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن امرأة من بني أسد، يقال لها‏:‏ أم معقل بنحوه، ورواه أيضًا من حديث جامع بن شداد عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي معقل أنه جاء إلى النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فقال‏:‏ إن أم معقل جعلت عليها حجة، فذكر نحوه، ورواه أبو داود أيضًا من طريق ابن إسحاق عن عيسى بن معقل بن أم معقل الأسدي - أسد خزيمة - حدثني يوسف بن عبد اللّه بن سلام عن جدته أم معقل، قالت‏:‏ لما حج رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ حجة الوداع، وكان لنا جمل، فجعله أبو معقل في سبيل اللّه، وأصابنا مرض، وهلك أبو معقل، وخرج النبي عليه السلام، فلما فرغ من حجه جئته، فقال‏:‏ يا أم معقل ما منعك أن تخرجي معنا‏؟‏ قالت‏:‏ لقد تهيأنا فهلك أبو معقل، وكان لنا جمل هو الذي نحج عليه، فأوصى به أبو معقل في سبيل اللّه، قال‏:‏ فهلا خرجت عليه‏؟‏ فإن الحج في سبيل اللّه، فأما إذا فاتتك هذه الحجة معنا فاعتمري في رمضان، فإنها الحجة ‏[‏في نسخة - الدار - كحجة ‏"‏البجنوري‏"‏‏.‏‏]‏، ورواه أيضًا حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن عامر الأحول عن بكر بن عبد اللّه عن ابن عباس، قال‏:‏ أراد رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ الحج، فقالت امرأة لزوجها‏:‏ أحجَّني مع رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ على جملك، فقال‏:‏ ما عندي ما أحجك عليه، قالت‏:‏ أحجّني على جملك فلان، قال‏:‏ ذاك حبيس في سبيل اللّه، فذكر ذلك لرسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فقال‏:‏ أما إنك لو حججتها عليه كان في سبيل اللّه، مختصر، وله طريق آخر، رواه الطبراني في ‏"‏معجمه‏"‏ حدثنا محمد بن أبان الأصبهاني حدثنا حميد بن مسعدة حدثنا عمر بن علي المقدمي عن موسى بن عقبة عن عيسى بن معقل عن جدته أم معقل، قالت‏:‏ مات أبو معقل، وترك بعيرًا جعله في سبيل اللّه، فأتيت رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فقلت‏:‏ يا رسول اللّه إن أبا معقل هلك، وترك بعيرًا جعله في سبيل اللّه، وعليَّ حجة، فقال‏:‏ يا أم معقل حجي على بعيرك، فإن الحج في سبيل اللّه، انتهى‏.‏

- حديث آخر‏:‏ من هذا المعنى، رواه الطبراني في ‏"‏معجمه‏"‏ حدثنا عمرو بن أبي الطاهر بن السرح ‏[‏كذا في ‏"‏الصغير‏"‏ ص 15 ‏"‏السرح‏"‏ واللّه أعلم‏.‏‏]‏‏:‏ حدثنا يوسف بن عدي حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن المختار بن فلفل عن طلق بن حبيب عن أبي طليق الأشجعي، قال‏:‏ طلبت مني أم طليق جملًا تحج عليه، فقلت‏:‏ قد جعلته في سبيل اللّه، فقالت‏:‏ لو أعطيتنيه لكان في سبيل اللّه، فسألت النبي عليه السلام، فقال‏:‏ صدقت، لو أعطيتها، لكان في سبيل اللّه، وأن العمرة في رمضان تعدل حجة، انتهى‏.‏ ورواه البزار في ‏"‏مسنده‏"‏ حدثنا علي بن حرب حدثنا محمد بن فضيل عن المختار بن فلفل به‏.‏

قوله‏:‏ والذي ذهبنا إليه مروي عن عمر، وابن عباس رضي اللّه عنهما - يعني جواز الاقتصار على صنف واحد في دفع الزكاة - ، قلت‏:‏ حديث ابن عباس رواه البيهقي، وحديث عمر رواه ابن أبي شيبة في ‏"‏مصنفه‏"‏ ‏[‏ابن أبي شيبة‏:‏ ص 42 - ج 3، وإسناده منقطع‏.‏‏]‏، وروى الطبري في ‏"‏تفسيره‏"‏ في هذه الآية ‏[‏الطبري في ‏"‏تفسيره‏"‏ ص 116 - ج 10 إسناده حسن‏.‏‏]‏ أخبرنا عمران بن عيينة عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنما الصدقات للفقراء والمساكين‏}‏ الآية، قال‏:‏ في أي صنف وضعته أجزأك، انتهى‏.‏ أخبرنا جرير ‏[‏الطبري‏:‏ ص 115 - ج 10‏.‏‏]‏ عن ليث عن عطاء عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه أنه قال‏:‏ ‏{‏إنما الصدقات للفقراء‏}‏ الآية، قال‏:‏ أيمُّا صنف ‏[‏الطبري‏:‏ ص 115 - ج 10، ولفظه‏:‏ أيما صنف أعطيته من هذا أجزأك، اهـ‏]‏ أعطيته من هذا أجزأ عنك، انتهى‏.‏ حدثنا حفص عن ليث عن عطاء عن عمر أنه كان يأخذ الفرض في الصدقة، فيجعله في صنف واحد، انتهى‏.‏ وروى أيضًا ‏[‏الطبري في ‏"‏التفسير‏"‏ ص 115 - ج 10‏.‏‏]‏ عن الحجاج بن أرطاة عن المهال بن عمرو عن زر بن حبيش عن حذيفة أنه قال‏:‏ إذا وضعتها في صنف واحد أجزأك، انتهى‏.‏ وأخرج نحو ذلك ‏[‏أخرج ابن أبي شيبة‏.‏ ص 42 عنهم، وعن عكرمة، والحسن، وحذيفة، وعمر رضي اللّه عنهم‏]‏ عن سعيد بن جبير، وعطاء بن أبي رباح، وإبراهيم النخعي، وأبي العالية، وميمون بن مهران بأسانيد حسنة، واستدل ابن الجوزي في ‏"‏التحقيق‏"‏ على ذلك بحديث معاذ ‏[‏حديث معاذ متفق عليه‏.‏‏]‏، فأعلمهم أن اللّه افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، قال‏:‏ والفقراء صنف واحد، ولم يذكر سواهم، وقال أبو عبيد القاسم بن سلام في ‏"‏كتاب الأموال‏"‏ ‏[‏كتاب الأموال‏"‏ ص 58، إلى قوله‏:‏ فنأمر لك بها‏.‏‏]‏‏:‏ ومما يدل على صحة ذلك أن النبي عليه السلام أتاه بعد ذلك مال فجعله في صنف واحد سوى صنف الفقراء، وهم المؤلفة قلوبهم‏:‏ الأقرع بن حابس، وعيينة بن حصين، وعلقمة ابن علاثة، وزيد الخيل، قسم فيهم الذهبية التي بعث بها إليه عليٌّ من اليمن، وإنما تؤخذ من أهل اليمن الصدقة، ثم أتاه مال آخر، فجعله في صنف آخر، وهم الغارمون، فقال لقبيصة بن المخارق، حين أتاه وقد تحمل حمالة‏:‏ يا قبيصة أقم حتى تأتينا الصدقة، فنأمر لك بها، وفي حديث سلمة ‏[‏حديث سلمة أخرجه أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ص 37 - ج 4، وأخرجه أبو داود في باب الظهار ص 309 - ج 1‏.‏‏]‏ بن صخر البياضي أنه أمر له بصدقة قومه، ولو وجب صرفها إلى جميع الأصناف لم يجز دفعها إلى واحد، وأما الآية التي احتج بها الشافعي رضي اللّه عنه، فالمراد بها بيان الأصناف التي يجوز الدفع إليهم دون غيرهم، وكذا المراد بآية الغنيمة، انتهى كلامه‏.‏

- الحديث الخامس والثلاثون‏:‏ قال عليه السلام لمعاذ‏:‏

- خذها من أغنيائهم فردها في فقرائهم‏"‏،

قلت‏:‏ رواه الأئمة الستة في ‏"‏كتبهم‏"‏ ‏[‏البخاري في ‏"‏أوائل الزكاة‏"‏ ص 187، ومسلم ‏"‏في الإيمان‏"‏ ص 36‏]‏ من حديث ابن عباس رضي اللّه عنه أن النبي عليه السلام بعث معاذًا إلى اليمن، فقال‏:‏ ‏"‏إنك تأتي قومًا أهل كتاب، فادعهم إلى شهادة لا إله إلا اللّه، وأني رسول اللّه، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن اللّه افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم، وترد على فقرائهم، فإِن هم أطاعوا لذلك، فإِياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإِنها ليس بينها وبين اللّه حجاب‏"‏، انتهى‏.‏

- الحديث السادس والثلاثون‏:‏ قال عليه السلام‏:‏

- ‏"‏تصدقوا على أهل الأديان كلها‏"‏، قلت‏:‏ روى ابن أبي شيبة في ‏"‏مصنفه‏"‏ ‏[‏ابن أبي شيبة‏:‏ ص 39، وليس فيه‏:‏ أشعث‏]‏ حدثنا جرير بن عبد الحميد عن أشعث عن جعفر عن سعيد بن جبير، قال‏:‏ قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ‏:‏ ‏"‏لا تصدَّقوا إلا على أهل دينكم‏"‏، فأنزل اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ليس عليك هداهم‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏وما تفعلوا من خير يوفّ إليكم‏}‏ فقال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ‏:‏ ‏"‏تصدقوا على أهل الأديان‏"‏، انتهى‏.‏ حدثنا أبو معاوية عن حجاج عن سالم المكي عن محمد بن الحنفية، قال‏:‏ كره الناس أن يتصدقوا على المشركين، فأنزل اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ليس عليك هداهم‏}‏ قال‏:‏ فتصدق الناس عليهم، انتهى‏.‏ وهذان مرسلان، وروى أبو أحمد بن زنجويه ‏[‏وأبو عبيد في ‏"‏كتاب الأموال‏"‏ ص 613 عن ابن لهيعة عن زهرة بن معبد به‏]‏ النسائي في ‏"‏كتاب الأموال‏"‏‏:‏ حدثنا علي بن الحسن عن ابن المبارك عن سعيد بن أبي أيوب عن زهرة بن معبد عن سعيد بن المسيب أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ تصدق على أهل بيت من اليهود بصدقة، فهي تجري عليهم، انتهى‏.‏

- الحديث السابع والثلاثون‏:‏ قال عليه السلام‏:‏

- لا تحل الصدقة لغني‏"‏، قلت‏:‏ روى من حديث عبد اللّه بن عمرو، ومن حديث أبي هريرة، ومن حديث حبشي بن جنادة، ومن حديث جابر، ومن حديث طلحة، ومن حديث عبد الرحمن بن أبي بكر، ومن حديث ابن عمر رضي اللّه عنهم‏.‏

- فحديث عبد اللّه بن عمرو‏:‏ أخرجه أبو داود ‏[‏أبو داود في ‏"‏باب ما يعطى من الصدقة وحد الغنى‏"‏ ص 238، والترمذي في ‏"‏باب من لا تحل له الصدقة‏"‏ ص 83‏]‏، والترمذي عن سعد بن إبراهيم عن ريحان بن يزيد عن عبد اللّه بن عمرو عن النبي عليه السلام، قال‏:‏ ‏"‏لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرَّة، سوي‏"‏، انتهى‏.‏ أخرجه أبو داود عن إبراهيم بن سعد عن أبيه، والترمذي عن سفيان عن سعد به، وقال‏:‏ حديث حسن، وقد رواه شعبة ‏[‏حديث شعبة، عند الطحاوي‏:‏ ص 303، روى عنه الحجاج بن منهال موقوفًا، وروى الحاكم في ‏"‏المستدرك‏"‏ ص 407 - ج 1 عن آدم بن إياس عن شعبة، ورفعه‏]‏ عن سعد، فلم يرفعه، انتهى‏.‏ قال صاحب ‏"‏التنقيح‏"‏‏:‏ وريحان بن يزيد، قال أبو حاتم‏:‏ شيخ مجهول، ووثقه ابن معين، وقال ابن حبان‏:‏ كان أعرابيًا صدوقًا‏.‏

- وأما حديث أبي هريرة‏:‏ فأخرجه النسائي ‏[‏النسائي في ‏"‏باب إذا لم يكن له دراهم، وكان له عدلها‏"‏ ص 363، وابن ماجه في ‏"‏باب من سأل عن ظهر غنى‏"‏ ص 133، قال الهيثمي‏:‏ رواه الطبراني في ‏"‏الأوسط‏"‏ ورجاله رجال الصحيح‏]‏، وابن ماجه عن أبي حصين عن سالم بن أبي الجعد عن أبي هريرة، قال‏:‏ قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ‏:‏ ‏"‏إن الصدقة لا تحل لغني، ولا لذي مرَّة سويٍّ‏"‏، انتهى‏.‏ ورواه ابن حبان في ‏"‏صحيحه‏"‏ في النوع السابع والسبعين، من القسم الثاني، قال صاحب ‏"‏التنقيح‏"‏‏:‏ رواته ثقات، إلا أن أحمد بن حنبل، قال‏:‏ سالم بن أبي الجعد لم يسمع من أبي هريرة، انتهى‏.‏

- طريق آخر‏:‏ أخرجه الحاكم في ‏"‏المستدرك‏"‏ ‏[‏ص 407 - ج 1‏.‏‏]‏ عن ابن عيينة عن منصور عن أبي حازم عن أبي هريرة، فذكره‏.‏ وقال‏:‏ حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وشاهده حديث عبد اللّه بن عمرو، ثم رواه بسند السنن‏.‏ وسكت عنه‏.‏

- طريق آخر‏:‏ أخرجه البزار في ‏"‏مسنده‏"‏ عن إسرائيل عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن أبي هريرة، قال البزار‏:‏ وهذا الحديث رواه ابن عيينة عن منصور عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، والصواب حديث إسرائيل، وقد تابع إسرائيل على روايته أبو حصين، فرواه عن سالم عن أبي هريرة، ثم أخرجه كذلك، وهذا مخالف لكلام الحاكم‏.‏

- وأما حديث حبشي بن جنادة‏:‏ فرواه الترمذي ‏[‏الترمذي في ‏"‏باب من لا تحل له الصدقة‏"‏ ص 83، وابن أبي شيبة في ‏"‏مصنفه‏"‏ ص 56 - ج 3، وفيه جبلة بن جنادة، فليراجع‏.‏ أقول‏:‏ في نسخة ‏"‏الدار‏"‏ أيضًا - حبشي بن جنادة - ‏"‏من البجنوري‏"‏‏.‏‏]‏ حدثنا علي بن سعيد الكندي حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن مجالد عن الشعبي عن حبشي بن جنادة السلولي، قال‏:‏ سمعت رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يقول، وهو واقف بعرفة في حجة الوداع، وقد أتاه أعرابي فسأله رداءه، فأعطاه إياه، قال‏:‏ إن المسألة لا تحل لغني، ولا لذي مِرَّة سويٍّ، مختصر‏.‏ وقال‏:‏ غريب من هذا الوجه، ورواه ابن ابي شيبة في ‏"‏مصنفه‏"‏ حدثنا عبد الرحيم به، ومن طريقه الطبراني في ‏"‏معجمه‏"‏‏.‏

- وأما حديث جابر‏:‏ فأخرجه الدارقطني في ‏"‏سننه‏"‏ ‏[‏ص 211‏.‏‏]‏ عن الوازع بن نافع عن أبي سلمة عن جابر بن عبد اللّه، قال‏:‏ جاءت رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ صدقة، فركبه الناس، فقال‏:‏ ‏"‏إنها لا تصلح لغني، ولا لصحيح سويٌّ، ولا لعامل قوي‏"‏، انتهى‏.‏ والوازع بن نافع، قال ابن حبان في ‏"‏كتاب الضعفاء‏"‏‏:‏ يروي الموضوعات عن الثقات على قلة روايته، ويشبه أنه لم يتعمدها، بل وقع ذلك في روايته لكثرة وهمه‏.‏ فبطل الاحتجاج به، انتهى كلامه‏.‏ ورواه أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي في ‏"‏تاريخ جرجان‏"‏ من حديث محمد بن الفضل بن حاتم حدثنا إسماعيل بن بهرام الكوفي حدثني محمد بن جعفر عن أبيه عن جده عن جابر مرفوعا‏:‏ لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مِرَّةٍ سويٍّ، انتهى‏.‏

- وأما حديث طلحة‏:‏ فرواه أبو يعلى الموصلي في ‏"‏مسنده‏"‏ من حديث إسماعيل بن يعلى ابن أمية الثقفي عن نافع عن أسلم مولى عمر عن طلحة بن عبيد اللّه عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، قال‏:‏ ‏"‏لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مِرَّة سويٍّ‏"‏، انتهى‏.‏ ورواه ابن عدي في ‏"‏الكامل‏"‏، وقال‏:‏ لا أعلم أحدًا رواه بهذا الإِسناد غير أبي أمية بن يعلى ‏[‏هو إسماعيل بن يعلى‏]‏، وضعفه عن ابن معين، والنسائي، ولينه عن البخاري، ووثقه عن شعبة، ثم قال‏:‏ وهو من جملة الضعفاء الذين يكتب حديثهم، انتهى‏.‏

- وأما حديث عبد الرحمن بن أبي بكر‏:‏ فرواه الطبراني في ‏"‏معجمه‏"‏ ‏[‏قال الهيثمي‏:‏ رواه الطبراني في ‏"‏الكبير‏"‏ وفيه ابن لهيعة، وفيه كلام، اهـ‏]‏ حدثنا أحمد بن رشدين حدثنا يحيى بن بكير حدثنا ابن لهيعة حدثني بكر بن سوادة عن أبي ثور عن عبد الرحمن ابن أبي بكر عن النبي عليه السلام نحوه، سواء‏.‏

- وأما حديث ابن عمر‏:‏ فرواه ابن عدي في ‏"‏الكامل‏"‏ من حديث محمد بن الحارث بن زياد عن محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني عن أبيه عن ابن عمر رضي اللّه عنه مرفوعًا بنحوه، سواء، وأعله بمحمد بن الحارث، وضعفه عن البخاري، والنسائي، وابن معين، وضعف أيضًا ابن البيلماني‏.‏

- حديث آخر في الباب‏:‏ أخرجه أبو داود ‏[‏أبو داود في ‏"‏باب من يعطى من الصدقة‏"‏ ص 238، والنسائي في ‏"‏باب مسألة القوي المكتسب‏"‏ ص 363، والطحاوي‏:‏ ص 303، والدارقطني‏:‏ ص 211، وابن أبي شيبة‏:‏ ص 56 - ج 3‏.‏‏]‏، والنسائي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبيد اللّه بن عدي بن الخباز، قال‏:‏ أخبرني رجلان أنهما أتيا النبي عليه السلام في حجة الوداع، وهو يقسم الصدقة، فسألاه، فرفع فينا البصر وخفضه فرآنا جلدين، فقال‏:‏ إن شئتما أعطيتكما، ولاحظ فيهما لغني، ولا لقوي مكتسب، انتهى ‏[‏حديث آخر‏:‏ رواه أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ص 62 - ج 4، و ص 375 - ج 5 بإسناد واحد، والطحاوي في ‏"‏شرح الآثار‏"‏ ص 303 عن عكرمة بن عمار عن سماك عن رجل من بني هلال، قال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏لا تصلح الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي‏"‏، اهـ قال الهيثمي في ‏"‏الزوائد‏"‏ ص 93 - ج 3‏:‏ رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح، اهـ‏.‏‏]‏‏.‏ وقال صاحب ‏"‏التنقيح‏"‏‏:‏ حديث صحيح، ورواته ثقات، قال الإِمام أحمد رضي اللّه عنه‏:‏ ما أجوده من حديث، هو أحسنها إسنادًا، انتهى‏.‏

- حديث للشافعي‏:‏ رضي اللّه عنه في تخصيصه غني الغُزاة‏:‏ رواه أبو داود ‏[‏أبو داود في ‏"‏باب من يجوز له أخذ الصدقة، وهو غني‏"‏ ص 238، وابن ماجه فيه‏:‏ ص 133‏.‏‏]‏، وابن ماجه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد، قال‏:‏ قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ‏:‏ ‏"‏لا تحل الصدقة لغني، إلا لخمسة‏:‏ العامل عليها‏.‏ أو رجل اشتراها بماله‏.‏ أو غارم‏.‏ أو غازي في سبيل اللّه‏.‏ أو مسكين تصدق عليه منها، فأهداها لغني، انتهى‏.‏ ورواه أبو داود من طريق مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء عن النبي عليه السلام مرسلًا، قال أبو داود‏:‏ ورواه ابن عيينة عن زيد، كما رواه مالك، ورواه الثوري عن زيد، قال‏:‏ حدثني الثبت عن النبي عليه السلام، انتهى‏.‏

- الحديث الثامن والثلاثون‏:‏

- حديث معاذ رضي اللّه عنه، قلت‏:‏ تقدم قريبًا‏.‏

- الحديث التاسع والثلاثون‏:‏ قال عليه السلام

- لامرأة ابن مسعود حين سألته عن التصدق عليه‏:‏ ‏"‏لك أجران‏:‏ أجر الصدقة‏.‏ وأجر الصلة‏"‏، قلت‏:‏ أخرجه الجماعة ‏[‏البخاري في ‏"‏باب الزكاة على الزوج والأيتام‏"‏ ص 198، ومسلم في ‏"‏باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين‏"‏ ص 323، واللفظ له، والنسائي في ‏"‏باب الصدقة على الأقارب‏"‏ ص 361، وابن ماجه في ‏"‏باب الصدقة على ذى قرابة‏"‏ ص 133 مختصرًا، والترمذي في ‏"‏باب زكاة الحلي‏"‏ ص 81 مختصرًا، ليس فيه متعلق، وفي إسناده زيادة، واستدرك به الحاكم في ‏"‏المستدرك‏"‏ ص 603 - ج 4، وقال‏:‏ لم يخرجاه بهذه السياقة، وهذا ليس منه بعجيب، لأن له في مئين من الأحاديث مثل هذا، والمتيقظ في هذا الباب صاحبه البيهقي، فإنه لم يقع له مثل هذا، إلا في أقل قليل، كحديث ابن مسعود في وفد جن نصيبين‏:‏ ص 108، واللّه أعلم‏]‏ إلا أبا داود عن زينب امرأة عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه، قالت‏:‏ قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ‏:‏ ‏"‏يا معاشر النساء تصدقن، ولو من حليكن‏"‏ قالت‏:‏ فرجعت إلى عبد اللّه، فقلت‏:‏ إنك رجل خفيف ذات اليد، وأن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ قد أمرنا بالصدقة، فأته فاسأله، فإن كان ذلك يجزئ عني، وإلا صرفتها إلى غيركم، قالت‏:‏ فقال لي عبد اللّه‏:‏ بل أئتيه، أنت، قالت‏:‏ فانطلقت، فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ حاجتي حاجتها، قالت‏:‏ وكان رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ قد ألقى عليه المهابة، قالت‏:‏ فخرج علينا بلال رضي اللّه عنه، فقلنا له‏:‏ أخبر رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أن امرأتين بالباب تسألانك‏:‏ أتجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما، وعلى أيتام في حجورهما، ولا تخبره من نحن، قالت‏:‏ فدخل بلال فسأل رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فقال‏:‏ من هما‏؟‏ قال‏:‏ امرأة من الأنصار، وزينب، قال‏:‏ أي الزيانب‏؟‏ قال‏:‏ امرأة عبد اللّه، فقال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ‏:‏ لهما أجران‏:‏ أجر القرابة، وأجر الصدقة، انتهى‏.‏ ووهم الحاكم، فرواه في آخر ‏"‏المستدرك‏"‏، وقال‏:‏ حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، انتهى‏.‏ قال ابن الجوزي في ‏"‏التحقيق‏"‏‏:‏ وقولهما‏:‏ أتجزئ‏:‏ يدل على زكاة الفرض لا التطوع، لأن لفظ الإِجزاء إنما يستعمل في الواجب، انتهى‏.‏ وضعف ابن القطان في ‏"‏كتابه‏"‏ الاستدلال بهذا الحديث على المقصود منه، بثلاثة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ قال‏:‏ إن فيه انقطاعًا بين عمرو بن الحارث، وزينب، وبينهما ابن أخي زينب، هكذا رواه أبو علي بن السكن في ‏"‏سننه‏"‏ عن أبي معاوية حدثنا الأعمش عن شقيق عن عمرو بن الحارث عن ابن أخي زينب امرأة عبد اللّه عن زينب، فذكره‏.‏ قلت‏:‏ الإِسنادان عند النسائي في ‏"‏عشرة النساء‏"‏، وعند الترمذي ‏[‏الترمذي في ‏"‏باب زكاة الحلي‏"‏ ص 81، وأما النسائي، فلم أجدَ فيه في ‏"‏عشرة النساء‏"‏، واللّه أعلم‏]‏ في ‏"‏الزكاة‏"‏‏.‏

الثاني‏:‏ قال‏:‏ إنه ليس في الحديث ما يدل على أن زينب سمعته من النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، أعني قوله‏:‏ لهما أجران، الخ‏.‏ ولا أخبرها بلال به، لكن ظهر أن زينب سمعته من النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ في حديث آخر من رواية أبي سعيد ‏[‏قلت‏:‏ حديث أبي سعيد هذا رواه البخاري في ‏"‏باب الزكاة على الأقارب‏"‏ ص 197 عن ابن أبي مريم عن محمد بن جعفر به، كأنه خفى هذا على ابن القطان، ورواه البخاري في ثلاثة مواضع غير هذا الموضع، ومسلم في ‏"‏الايمان‏"‏ بهذا الاسناد عن ابن أبي مريم عن محمد بن جعفر، لكنه مختصر، ليس فيه متعلق، وبمعنى هذا الحديث حديث أبي هريرة، رواه أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ص 373، والطحاوي في ‏"‏شرح الآثار‏"‏ ص 308، واستدل به على أن تلك الصدقة كانت تطوعًا، ولكني لم أدر كيف يستدل بهما على أن زينب لم تسمع من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وظني أن لفظ‏:‏ قلت، سقط من الناسخ، قبل قوله‏:‏ في حديث آخر، وحديث أبي سعيد ذكره المخرج ردًّا على ابن القطان، أو انقلب نظام كلام على الناسخ حيث أورد الحديث في خلال كلام ابن القطان، ولم يكن كذلك، قال الحافظ في ‏"‏الدراية‏"‏ بعد ذكره حديث زينب‏:‏ وفي الباب عن أبي سعيد عن البزار، اهـ‏.‏ أقول‏:‏ نعم‏:‏ كان في العبارة ههنا سقط من الناسخ، ولكن استدركناه في التصحيح الأخير، فلم يبق الآن اختلال في نظم الكلام، كما تراه ‏"‏البجنوري‏"‏‏]‏، رواه البزار في ‏"‏مسنده‏"‏ من حديث محمد بن جعفر بن أبي كثير عن زيد بن أسلم عن عياض بن عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح عن أبي سعيد، قال‏:‏ خرج رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ في أضحى أو فطر، فصلى، ثم انصرف، فوعظ الناس، وأمرهم بالصدقة، ثم مر على النساء، فقال لهن‏:‏ تصدقن، فلما انصرف، وصار إلى منزله جاءته امرأة عبد اللّه، فاستأذنت عليه، فأذن لها، فقالت‏:‏ يا نبي اللّه إنك اليوم أمرتنا بالصدقة، وعندي حلي لي، فأردت أن أتصدق به، فزعم ابن مسعود أنه هو وولده أحق من تصدق ‏[‏في البخاري ‏"‏تصدقت‏"‏‏.‏‏]‏ به عليهم، فقال عليه السلام‏:‏ ‏"‏صدق ابن مسعود، زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم‏"‏، انتهى‏.‏

الثالث‏:‏ قال‏:‏ إن هذا الحديث واقعة عين خاص بهاتين المرأتين، فإن حكم لغيرهما بمثل ذلك فمن دليل آخر، لا من نفس الخبر، انتهى كلامه ملخصًا‏.‏

- الحديث الأربعون‏:‏ قال عليه السلام‏:‏

- ‏"‏يا بني هاشم إن اللّه تعالى قد حرم عليكم غسالة الناس، وأوساخهم وعوضكم منها بخمس الخمس، قلت‏:‏ غريب بهذا اللفظ، وروى مسلم ‏[‏في ‏"‏باب تحريم الزكاة على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏"‏ ص 344‏]‏ في حديث طويل من رواية عبد المطلب بن ربيعة مرفوعًا‏:‏ إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وأنها لا تحل لمحمد، ولا لآل محمد، الحديث‏.‏ وأوله عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث، قال‏:‏ اجتمع أبي - ربيعة - ، والعباس بن عبد المطلب، فقالا‏:‏ لو بعثنا هذين الغلامين، قالا - لي، وللفضل بن العباس - إلى رسول الله ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ فأمرهما على هذه فأديا ما يؤدي الناس، وأصابا مما يصيب الناس، فقال علي‏:‏ أرسلوهما، فانطلقنا حتى دخلنا على رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، وهو يومئذ عند زينب بنت جحش‏.‏ فقلنا‏:‏ يا رسول اللّه قد بلغنا النكاح، وأنت أبر الناس، وأوصل الناس، وجئناك لتؤمرنا على هذه الصدقات، فنؤدي إليك كما يؤدي الناس، ونصيب كما يصيبون، قال‏:‏ فسكت طويلًا، ثم قال‏:‏ إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس، أدعو إليَّ محمية بن جزء - رجل من بني أسد كان رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يستعمله على الأخماس - ، ونوفل بن الحارث ابن عبد المطلب فأتياه، فقال لمحمية‏:‏ أنكح هذا الغلام ابنتك - للفضل بن العباس - فأنكحه، وقال لنوفل بن الحارث‏:‏ أنكح هذا الغلام ابنتك - لي - ، فأنكحني، وقال لمحمية‏:‏ أصدق عنهما من الخمس‏:‏ كذا وكذا، مختصر، تفرد به مسلم، ورواه الطبراني في ‏"‏معجمه‏"‏ ‏[‏قال في ‏"‏الزوائد‏"‏ ص 91 - ج 3‏:‏ رواه الطبراني في ‏"‏الكبير‏"‏ وفيه حسين بن قيس الملقب بحنش، وفيه كلام كثير، وقد وثقه أبو محصن‏]‏ حدثنا معاذ بن المثنى حدثنا مسدد حدثنا معتمر بن سليمان سمعت أبي يحدث عن حنش عن عكرمة عن ابن عباس، فذكر هذه القصة مختصرة، وفي آخره‏:‏ فقال لهما عليه السلام‏:‏ إنه لا يحل لكم أهل البيت من الصدقات شيء، إنما هي غسالة الأيدي، وإن لكم في خمس الخمس لما يغنيكم، انتهى‏.‏

- حديث آخر‏:‏ روى ابن أبي شيبة في ‏"‏مصنفه‏"‏ ‏[‏ابن أبي شيبة‏:‏ ص 61 - ج 3، وابن جرير في ‏"‏تفسيره‏"‏ ص 5 - ج 10 عن ابن وكيع به‏.‏‏]‏ حدثنا وكيع حدثنا شريك عن خصيف ‏[‏في المصنف‏:‏ حصين، وظني أنه ليس بصحيح‏.‏‏]‏ عن مجاهد، قال‏:‏ كان آل محمد ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ لا تحل لهم الصدقة، فجعل لهم خمس الخمس، انتهى‏.‏ ورواه الطبراني في ‏"‏تفسيره‏"‏ حدثنا ابن وكيع به، قال‏:‏ كان النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، وأهل بيته لا يأكلون الصدقة، فجعل لهم خمس الخمس، انتهى‏.‏

- الحديث الحادي والأربعون‏:‏ روى أن مولى لرسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ سأله،

- أتحل لي الصدقة‏؟‏ فقال‏:‏ لا، أنت مولانا، قلت‏:‏ أخرجه أبو داود ‏[‏أبو داود في ‏"‏باب الصدقة على بني هاشم‏"‏ ص 240، والترمذي في ‏"‏باب كراهية الصدقة للنبي صلى اللّه عليه وسلم ص 83، والنسائي في ‏"‏باب موالي القوم منهم‏"‏ ص 366، وأحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ص 8 - ج 6، و ص 10 - ج 6، والحاكم في ‏"‏المستدرك‏"‏ ص 404 - ج 1‏]‏، والترمذي، والنسائي عن شعبة عن الحكم ابن عتيبة عن ابن أبي رافع عن أبي رافع مولى رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أن النبي عليه السلام بعث رجلًا من بني مخزوم على الصدقة، فقال لأبي رافع‏:‏ اصحبني، فإنك تصيب منها، قال‏:‏ حتى أتى رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ فأسأله، فأتاه فسأله، فقال‏:‏ ‏"‏مولى القوم من أنفسهم، وإنّا لا تحل لنا الصدقة‏"‏، انتهى‏.‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن صحيح، ورواه أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏، والحاكم في ‏"‏مستدركه‏"‏، وقال‏:‏ صحيح على شرط الشيخين، انتهى‏.‏ وأبو رافع مولى رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ اسمه‏:‏ أسلم، وابن أبي رافع اسمه‏:‏ عبيد اللّه، وهو كاتب علي ابن أبي طالب رضي اللّه عنه، انتهى‏.‏ بقية كلام الترمذي، ‏"‏مولى القوم من أنفسهم في ‏"‏الصحيح‏"‏ ‏[‏البخاري في ‏"‏الفرائض - في باب مولى القوم من أنفسهم‏"‏ ص 1000 ج 2‏]‏ عن أنس رضي اللّه عنه، وروى أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ‏[‏أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ص 448 - ج 3، وابن أبي شيبة‏:‏ ص 60 - ج 3، وأحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ص 34 - ج 4 عن عبد الرزاق عن سفيان بمعناه، وقال‏:‏ ميمون أو مهران، وأخرجه الطحاوي‏:‏ ص 300 عن ورقاء عن عطاء بمعناه، وقال‏:‏ هرمز، أو كيسان‏.‏‏]‏ حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن عطاء بن السائب، قال‏:‏ أتيت أم كلثوم بنت علي بشيء من الصدقات، فردته، وقالت‏:‏ حدثني مولى لرسول اللّه صلى، يقال له‏:‏ مهران أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏"‏إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة، ومولى القوم منهم‏"‏، انتهى‏.‏

- الحديث الثاني والأربعون‏:‏ قال عليه السلام في حق يزيد، وابنه معين‏:‏

- ‏"‏يا يزيد لك ما نويت، ويا معن لك ما أخذت‏"‏ حين دفع إلى معن وكيل أبيه يزيد صدقته، قلت‏:‏ أخرجه البخاري ‏[‏البخاري في ‏"‏باب إذا تصدق على ابنه وهو لا يعلم‏"‏ ص 191‏]‏ عن معن بن يزيد، قال‏:‏ بايعت رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ‏:‏ أنا، وأبي، وجدي، وخطب علي، فأنكحني، وخاصمت إليه، وكان أبي يزيد قد أخرج دنانير يتصدق بها، فوضعها عند رجل في المسجد، فجئت، فأخذتها، فأتيته بها، فقال‏:‏ واللّه ما إياك أردت، فخاصمته إلى رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، فقال‏:‏ ‏"‏لك ما نويت يا يزيد، ولك ما أخذت يا معن‏"‏، انتهى‏.‏ انفرد به البخاري، ولم يخرج لمعن غيره‏.‏